قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]
الأسباب التي يجعلنا نرجع إلى تفسير القرآن بالسنة :
1)أن السنة وحي من الله لقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]، ولذا فهي بمنزلة القرآن في الاستدلال.
2)هي أصل في فهم القرآن؛ لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}، وهذا يعني أنه لا يمكن الاستغناء عن البيان النبوي.
3)لأنه لا أحد من خلق الله أعلم بمراد الله من رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
الأنواع المستنبطة في تفسير الرسول صلّى الله عليه وسلّم للقرآن:
1 - أن يبتدأ الصحابة بالتفسير فينص على تفسير آية أو لفظة، وله أسلوبان:
أـ أن يذكر التفسير، ثم يذكر الآية المفسَّرة.
ب ـ أن يذكر الآية المفسَّرة، ثم يذكر تفسيرها.
2 - أن يشكل على الصحابة فهم آية فيفسرها لهم.
3 - أن يذكر في كلامه ما يصلح أن يكون تفسيراً للآية.
4 - أن يتأول القرآن، فيعمل بما فيه من أمر، ويترك ما فيه من نهي.
وإليك أمثلة هذه الأنواع:
1 - أن ينص على تفسير آية أو لفظة، وله أسلوبان:
الأول: أن يذكر التفسير ثم يذكر الآية المفسَّرة:
مثاله: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا} [مريم: 96].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أحبَّ الله عبداً نادى:يا جبريل إني أحببت فلاناً فأحبه، قال: فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا}، وإذا أبغض الله عبداً نادى: يا جبريل، إني أبغضت فلاناً فينادى في السماء، ثم تنزل له البغضاء في الأرض»
الثاني: أن يذكر الآية الكريمة المفسَّرة، ثم يذكر تفسيرها:
مثاله: قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60].
عن أبي علي ثمامة بن شفي أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو على المنبر يقول: «{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»
2 - أن يشكل على الصحابة فهم آية فيفسرها لهم:
عن عبد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} الآية [الأنعام: 82]، شق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه؟! قال: «ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: {يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]»
3 - أن يذكر في كلامه ما يصلح أن يكون تفسيراً للآية :
مثاله: قوله تعالى: {وَجِيىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر: 23].
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، لكل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» (2). [28]
4 - أن يتأول القرآن فيعمل بما به من أمر:
مثاله: قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3].
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة بعد أن نزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلا يقول فيها: «سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»، وفي رواية عند البخاري عن عائشة: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» يتأول القرآن
إذ يكفي فيها أنها تعني لقيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولذا كان للصحبة مكانة خاصة في ميزان المسلمين بعدهم، بل صارت أقوالهم حجة عند بعض العلماء لا يعدل عن أقوالهم، ولا يرى قولاً غير قولهم.
وقد ذكر العلماء أسباباً لرجوع المفسر إلى أقوالهم، وهي:
1 - أنهم شهدوا التنزيل وعرفوا أحواله.
2 - أنهم أهل اللسان الذي نزل به القرآن.
3 - أنهم عرفوا أحوال من نزل فيهم القرآن من العرب واليهود.
4 - سلامة مقصدهم.
5 - حسن فهمهم.
مصادرهم في التفسير:
كان الصحابة يرجعون في تفسيرهم للقرآن إلى مصادر يستفيدون منها حال تفسيرهم للقرآن، ومنها:
1 - القرآن الكريم.
2 - السنة النبوية.
3 - اللغة العربية.
4 - أهل الكتاب.
5 - الفهم والاجتهاد.
وكانوا في كل هذه المصادر أدق من غيرهم في الاستفادة.
المصدر :
كتاب فصول في أصول التفسير لدكتور مساعد الطيار .